بعد زلزال الإتفاق السعودي ـ الإيراني الذي رعته الصين، يبدو أن الهزات الارتدادية، ستستمر طوال مدة الشهرين التي وضعتها الرياض وطهران لإستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، فقد جاءت نتيجة زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان إلى موسكو، الأسبوع الماضي، على عكس ما كان متوقعاً منها، إذ أظهرت أن مسار العلاقة بين موسكو وطهران يعج بزحمة خلافات وتباينات تقود العلاقة الحذرة بينهما إلى تدهور غير مسبوق، وهو ما قد ينعكس على عدة ملفات إقليمية.
وكشف مصدر رافق عبداللهيان إلى موسكو أن الخلافات بين البلدين كبيرة لدرجة أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لم يراعِ البروتوكول الدبلوماسي، ولم يحضر لاستقبال نظيره الإيراني على مدخل «الخارجية» في موسكو كما جرت العادة.
وأفاد المصدر بأن الزيارة شهدت خلافات حادة حول 3 ملفات أساسية: المفاوضات النووية الإيرانية حيث ترغب طهران أن تتولى الصين دور موسكو في تنسيق المحادثات مع الغرب، وملف سورية حيث لا تزال طهران تتعرض، بموافقة ضمنية من موسكو، لضربات إسرائيلية كان آخرها ليل الأربعاء ـ الخميس، فضلاً عن التوتر بين أذربيجان وأرمينيا، الذي تعتبر طهران أنه يمس أمنها القومي. فيما يخص الملف النووي، قال المصدر إن لافروف رفض أي بحث في طلب عبداللهيان بأن تتولى الصين ملف التنسيق والاتصال والوساطة بين إيران من جهة والمجموعة الأوروبية والولايات المتحدة من الجهة الأخرى، بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي، وهو الدور الذي كانت تشغله روسيا. وذكر أن الجانب الروسي لا يزال متمسكاً بدوره رغم أن الأوروبيين يرفضون أي اتصال بمندوب روسيا الدائم في المنظمات الدولية في جنيف، ممثلها في المفاوضات النووية، على خلفية حرب أوكرانيا.
وأشار المصدر إلى أن موقف موسكو بهذا الشأن عزز قناعة باتت تترسخ لدى طهران بأن روسيا تريد الإبقاء على ورقة الاتفاق النووي رهينة بيدها في مواجهة الضغوط ومحاولات عزلها من جانب الغرب، وهي تعتبر أن تحجيم دورها في المفاوضات النووية مطلب غربي وأنه يجب على بكين وطهران ألا تسيرا في تحقيق أهداف الغرب. أما في ملف سورية، فقد برز خلاف بين الوزيرين حول تأخر المصالحة السورية ــ التركية، إذ أكد عبداللهيان أن اتصالات بلاده مع دمشق وأنقرة تظهر أن البلدين يريدان تسريع خطوات المصالحة، وهو ما اعتبره لافروف اتهاماً ضمنياً لموسكو بعرقلة المفاوضات، أو على الأقل ضبطها على توقيت الحرب الأوكرانية لا على التوقيت السوري، خصوصاً أن معلومات كانت ترددت بأن روسيا طلبت من الرئيس السوري بشار الأسد لدى زيارته موسكو التشدد ضد تركيا.
وفي مسألة أخرى، قال المصدر إن عبداللهيان اعترض مجدداً على مواصلة موسكو السماح لإسرائيل بضرب مواقع وشحنات إيرانية، لكن ما أثار حفيظة الجانب الروسي هو تشكيك الوزير الإيراني بدور روسيا في التصعيد الأخير، الذي تمثل بقصف قاعدة أميركية شمال شرق سورية أدى إلى مقتل متعاقد أميركي، وهو ما كان سيورط إيران والولايات المتحدة في مواجهة عسكرية كبيرة.
وكانت مصادر كشفت قبل أيام أن إيران تشك بدور روسي أو إسرائيلي في الهجوم الذي نفت طهران أن تكون هي أو أي من حلفائها مسؤولاً عنه.
وقال المصدر إن عبداللهيان واجه لافروف بأدلة حول وجود تنسيق روسي ــ إسرائيلي بشأن الهجوم، وطالبه بمراجعة القيادات العسكرية الروسية في سورية، وهو ما تسبب بإحراج كبير للافروف. وذكر أن عبداللهيان اشتكى كذلك تأخر روسيا في ربط أنظمة الدفاع المشتركة الإيرانية والروسية في سورية، وهو ما يسمح عملياً لتل أبيب بمواصلة غاراتها دون أي اعتراض من قبل المنظومات الدفاعية الروسية التي تتلقى معلومات إسرائيلية مسبقة بالضربات.
وأعلن الحرس الثوري أمس الأول مقتل ميلاد حيدري، وهو أحد المستشارين العسكريين للحرس في سورية، بقصف إسرائيلي على ضواحي دمشق، متوعداً بأن طهران «سترد دون شك على هذه الجريمة».
وشنت إسرائيل في الأيام الماضية عدة غارات ضد مواقع إيرانية، في تصعيد عسكري جاء بعد التوتر بين طهران وواشنطن في شمال شرق سورية.
واعترضت موسكو أمس الأول على ما أسمته «التصرفات الاستفزازية» التي تمارسها القوات الأميركية في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، في إشارة إلى تحرك دوريتين أميركيتين على طول المسار غير المتنازع عليه في بلدتي ديرونا – آغا وسارامساك، بالتزامن مع تسيير دورية روسية ــ تركية مشتركة. وقالت موسكو إن السلوك الأميركي يهدد قواعد الاشتباك مع القوات الروسية، وسط تجاهل تام من موسكو للتصعيد الإسرائيلي ضد المواقع الإيرانية. أما الملف الثالث، المتعلق بمنطقة جنوب القوقاز، فقد رفضت موسكو مجدداً، وبإصرار، توسيع قوات حفظ السلام الروسية التي تفصل نقاطاً حساسة بين أذربيجان وأرمينيا، لتضم قوات إيرانية، وهو ما تطالب به إيران منذ المواجهة الأخيرة بين باكو ويرفان، التي شهدت انخراطاً عسكرياً روسياً وتركياً فيما ظلت طهران الطرف الإقليمي الوحيد خارج الميدان، رغم أنها الأكثر تأثراً به. وأفاد المصدر بأن طهران اشتكت من أن قوات حفظ السلام الروسية لا تحرك ساكناً رغم أن القوات الأذربيجانية توسع مناطق سيطرتها وتتجه للسيطرة على معبر زنكزور البري الذي يعتبر معبراً استراتيجياً بالنسبة إلى إيران.
وقال إن عبداللهيان أبلغ الجانب الروسي أن قيادة القوات المسلحة الإيرانية توصي القيادة السياسية بضرورة تدخل إيران عسكرياً قبل فوات الأوان، وأنه في حال استمر الموقف الروسي في حالة اللامبالاة، فإن القيادة السياسية ستعمل بتوصيات العسكر.
وكشف أن لافروف ألمح إلى ضرورة انضمام إيران إلى معاهدة الأمن الجماعي وهي عبارة عن تحالف عسكري تقوده روسيا، وهو ما سيمكنها من نشر جنود في أرمينيا، لأن الحدود الأرمنية محمية بموجب هذه المعاهدة. ومن الجدير ذكره أن الدستور الإيراني يحظر دخول إيران في أي حلف عسكري.
وتصاعد التوتر بين طهران وباكو في الأيام القليلة الماضية، بعد كلام مسؤول إسرائيلي خلال زيارة وزير الخارجية الأذربيجاني إلى تل أبيب لافتتاح سفارة بلاده بأنه تم الاتفاق بين البلدين على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران. كما اتهم الناطق باسم الخارجية الأذربيجانية، أمس، طهران بالوقوف وراء محاولة اغتيال نائب أذربيجاني مناهض لطهران يدعى فاضل مصطفى.
المصدر : الجريدة